الإعاقة البصرية مصطلح عام يشير إلى درجات متفاوتة من الفقدان البصري، تتراوح بين حالات العمى الكلي - ممن لا يرون شيئاً على الإطلاق، ويتعين عليهم الاعتماد كلية على حواسهم الأخرى في حياتهم اليومية وتعلمهم - وحالات الإبصار الجزئي التي تتضمن أفراد يمكنهم الاستفادة من بقايا بصرهم في عمليات التوجه والحركة والتعلم المدرسي، ويمكن رصد مفهوم الكفيف من مختلف وجهات النظر اللغوية والطبية والاجتماعية والمهنية والتربوية.

(1) التعريف اللغوي:

تستخدم في اللغة العربية ألفاظاً كثيرة للدلالة على الشخص الذي فقد بصره، كـ "الأعمى"، و"الأكْمه"، و"الأعْمَه"، و"الضرير"، و"الكفيف"، و"العاجز". وكلمة "الأعمى" أصل مادتها "العماء"، وتعني الضلالة والتحير والتردد، ويُقال "العمى" أي فقد البصر والبصيرة، وقيل العمى في البصيرة كما قيل العمى في البصر ويُقال "أرض عماء" أي بلا إمارات أو علامات، وقد ورد لفظ "الأعمى" في القرآن الكريم في سبع مواضع فيقول الله تعالى: [لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ] {النور:61}، ويقول الله في محكم آياته: [وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ] {فاطر: 19} (المعجم الوجيز، 1990، 573). وجاء لفظ "العمى" مقترن بالبصر في سورة يونس: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ) (43).

وكلمة "الأكْمه" مأخوذة من "الكَمَه" وهي العمى قبل الميلاد، ويشار بها إلى مَنْ يولد أعمى، وقد ورد لفظ "الأكْمه" مرتان في القرآن الكريم، فيقول الله تعالى: [وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] {آل عمران: 49}، والموضع الأخر يقول عز شأنه في محكم آياته: [وَتبرئ الأكمه والأبرص بإذني] {المائدة : 110}.

وأصل مادة كلمة "الأعْمَه": العَمَهْ، وتعني التحير والتردد، ويُقال "العَمَهْ" في افتقاد البصر والبصيرة، فيقول الله تعالى في سورة طه: [وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)، أما كلمة "الضرير" مأخوذة من "الضُرْ" وهو سوء الحال إما في نفس الشخص أو في بدنه، و"الضرارة" هي العمى. و"الكفيف" مأخوذة من كَفْ أي انصرف وامتنع، و"الكفيف" أو "المكفوف" هو من كُفّ وذهب بصره أي عُمَى. وتُطلق كلمة "العاجز" على الفرد الكفيف الذي يُلاحظ أنه قد عجز عن قضاء حاجاته، وهي مشتقة من العجز وعدم القدرة (عمر نصر الله، 2002، 182).

(2) التعريف الطبي:

يتفق كل من: (عبد المطلب القريطي، 2001، 177؛ خالد عبد الرازق 2002، 17؛ محمد فهمي 2002، 79؛ "تيلفورد وسواير" Telford and Sawyer, (2007)؛ إبراهيم شعير 2010، 207) على تعريف الكفيف بأنه "الشخص الذي تساوي درجة إبصاره أو تقل عن (20/200 قدماً) أو (6/60 متراً) بمقياس سنلن في كلتا العينين أو في العين الأقوى بعد العلاج أو إجراء التصحيحات الطبية الممكنة باستخدام النظارات أو العدسات الطبية، مع وجود قصور في مجال الرؤية بحيث لا يزيد مجال الرؤية عن 20 درجة.

ويتضح من التعريف السابق تحديد كف البصر في إطار محكين أساسيين هما: حدة الإبصار وتعني قدرة الفرد على رؤية الأشياء وتمييز خصائصها وتفاصيلها، ومجال الرؤية وهو المحيط الذي يُمكن الفرد من الإبصار في حدوده، دون أن يغير في اتجاه رؤيته أو تحديقه.

وتختلف الدول فيما بينها في تحديد الدرجة التي عندها يصبح الشخص مكفوفاً من الناحية الطبية، حيث تكون (1/60) في النمسا والمجر، و(2/30) في الدانمرك، و(1/20) في بلجيكا وبريطانيا وفرنسا، و(1/10) في بلغاريا وكندا وإيطاليا وإسبانيا، و(1/25) في ألمانيا، بينما في الهند يُعرف الكفيف بأنه مَنْ فقد بصره كليةً، أما في أستراليا تأخذ القدرة على عد أصابع اليد على مسافة متر واحد مقياساً لتحديد كف البصر، وتأخذ جمهورية مصر العربية في تعريف الكفيف بشرطين أساسين هما:

  • فقد البصر التام.
  • حدة إبصار تقل عن 6/60 بالعينين معاً أو بالعين الأقوى بعد العلاج والتصحيح بالنظارة الطبية.

وعلى الرغـم من اختلاف تعريف فقد البصر من الناحية الطبية، إلا أن معظم التعريفات تعتمد على لوحة المعلومات التي توصل إليها "هرمان سنلن" Senlen (1868) لقياس حدة الإبصار، حيث تتضمن اللوحة حروف وأعداد أو أشكال رمزية يتم وضعها على بعد (6) ستة أمتار أو (20) عشرين قدماً.

(3) التعريف المهني:

يشير إبراهيم شعير (2010، 208) الكفيف من الناحية المهنية بأنه الشخص الذي لا تمكنه قدرته البصرية من كسب قوته أو هو الشخص الذي لا يجد طريقه في أي مكان غريب عليه بدون مساعدة خارجية.

(4) التعريف التربوي:

يرى المتخصصون في الإعاقة البصرية أن التعاريف القانونية تضع التركيز بصفة أساسية على حدة البصر، حيث إنها تفشل في إيضاح درجة الكفاءة أو الفعالية التي يستخدم بها الفرد الجزء المتبقي لديه من البصر، لذا جاء التعريف التربوي ليفرق بين الكفيف وضعيف البصر على أساس الطريقة التي يتعلم بها كل منهما؛ ويعرض إبراهيم شعير (2010، 205) تعريف للكفيف "لبراغا" (1988) Baraga، حيث يرى أنه الشخص الذي يتعارض تحـصيله الدراسي بسبب إعاقته البصرية مع مستوى التعليم المدرسي لقرينه العادي إذا لم تتوافر التعديلات اللازمة في طبيعة وطرق تقديم الخبرات التعليمية، والبيئة التعليمية المناسبة ليستطيع النجاح تربوياً.

ويذكر خليل المعايطة وآخرون (2000، 31) مفهوم الكفيف تربوياً بأنه الشخص الذي يعجز عن استخدام بصره في الحصول على المعرفة وعن تلقي العلم في المدارس العادية وبالطرق العادية والمناهج الموضوعة لقرينه العادي، وبصورة أكثر تحديداً بأنه الشخص الذي لا يستطيع القراءة والكتابة إلا بطريقة برايل وذلك بسبب قصور بصري حاد.

كما يشير يوسف القريوتي وآخرون (2001، 152) إلى أن الكفيف من وجهة النظر التربوية هو مَنْ فقد القدرة الكلية على الإبصار أو لم تتح له البقايا البصرية القـدرة على القراءة والكتابة العادية حتى بعد استخدام المصححات البصرية، مما يتحتم عليه استخدام حاسة اللمس لتعلم القراءة والكتابة بطريقة برايل.

ويقسم عبد المطلب القريطي (2001، 369-370) المعاقين بصرياً من الناحية التربوية إلى ثلاث فئات: العميان Blind وتضم هذه الفئة العميان كلياً الذين يعيشون في ظلمة تامة ويعتمدون على طريقة برايل كوسيلة أساسية للقراءة والكتابة، والعميان وظيفياً Functional Blind وهم الأشخاص الذين لديهم بقايا بصرية ويمكن استخدامها في مهارات التوجه والحركة وتظل طريقة برايل وسيلتهم الأساسية في القراءة والكتابة، ضعاف البصر Low Vision Individuals وهم الأفراد الذين يتمكنون بصرياً من القراءة والكتابة بالخط العادي عن طريق المعينات البصرية كالعدسات المكبرة والنظارات.

وتميز منى الحديدي (2009، 37) بين ثلاث فئات للمعوقين بصرياً من الناحية التربوية على النحو الآتي: المكفوف وهو شخص يتعلم من خلال القنوات اللمسية والسمعية، ضعيف البصر وهو شخص لديه ضعف بصر شديد بعد التصحيح ويمكن تحسين الوظائف البصرية لديه، محدود البصر وهو شخص يستخدم البصر بشكل محدود في الظروف الاعتيادية، وإن كان الباحث لا يجد فرق واضح بين ضعيف البصر ومحدود البصر.

(5) التعريف الاجتماعي:

يركز التعريف الاجتماعي للإعاقة البصرية على مدى قدرة الفرد على التعامل مع مهارات الحياة اليومية والتفاعل الاجتماعي مع مجتمعه وبيئته التي يعيش فيها، ويعرف عبد المطلب القريطي (2001، 371) الكفيف بأنه الشخص الذي لا يستطيع أن يجد طريقه دون قيادة في بيئة غير معروفة لديه أو كانت قدرته من الضعف بحيث يعجز عن مراجعة عمله العادي.

ويعني عمر نصر الله (2002، 184) بالكفيف اجتماعياً أنه الفرد الذي يحتاج بسبب قدرته البصرية إلى المساعدة الأولية والاجتماعية، والتي تُعطى للعادة لمن يقل بصره عن (6/60) وهذه المساعـدة لا ترتبط بحدة الإبصار فحسب، بل يؤخذ مجال الرؤية بعين الاعتبار وعلى أساسها تتحدد الحاجة للمساعدة ويكون له الحق في حمل الإشارة أو العلامة الصفراء، فيعرف الناس صاحبها ويقـدمـون له المساعدة في عبور الشارع أو ركوب وسيلة المواصلات.

ويتفق كل من ("دود" Dodd, 2006؛ طارق كمال، 2009، 82) في تعريف الكفيف من الناحية الاجتماعية بأنه الفرد الذي تمنعه إعاقته البصرية من أن يتفاعل بصورة ناجحة مع العالم المحيط به، حيث تحد إعاقته البصرية - سواء كانت كلية أم جزئية - من قيامه بالوظائف السلوكية والأدوار الاجتماعية المختلفة التي يجب على كل عضو في تلك الجماعة أو المجتمع أن يسهم بها بشكل فعال.

ويعرف عصام أحمد (2011، 147) الكفيف بأنه أكثر اعتماداً على الآخرين وأقل اجتماعياً، وأن الدور الذي يقوم به داخل الأسرة أو خارجها أدوار ثانوية، وينعكس ذلك على شعوره بذاته ومدى تقبله اجتماعياً وإحجامه عن المشاركة الاجتماعية لتجنب ضغوطها مما يدفعه إلى الانعزال.

ويقصد "رينولدز ومان" Reynolds and Mann (2013) بالكفيف اجتماعياً أنه محدود التفاعل مع البيئة فلا يستطيع رؤية التعبيرات الوجهية للآباء والمعلمين والأقران، وبالتالي لا يمكنه اكتساب نموذج مناسب للسلوك الاجتماعي من خلال المحاكاة والتقليد، كما أنه لا يكون مدرك لوجود الآخرين ما لم يحدثوا أصواتاً تدل على ذلك، وهو لديه شعور بأنه غير مقبول اجتماعياً.

ويضع عادل عبد الله (2004، 26) محددات كف البصر من المنظور الاجتماعي على النحو التالي:

  • الحاجة إلى قيادة أو مساعدة الآخرين في البيئة غير المعروفة.
  • عدم القدرة على التفاعل الاجتماعي بصورة ناجحة مع الآخرين.
  • العجز عن تحقيق التواصل الجيد مع الآخرين.
  • عدم القدرة على القيام بالدور المنوط به في المجتمع.

وفي ضوء التعاريف العديدة للكفيف من وجهات نظر مختلفة سواء لغوياً، طبياً، مهنياً، تربوياً واجتماعيا، يستنتج الباحث أن الكفيف هو ذلك الشخص الذي تتوافر فيه الشروط التالية:

  • فقد القدرة الكلية على الرؤية أو استقبال المثيرات البصرية.
  • قوة إبصاره أقل من (6 / 60) متراً في العينين أو في العين القوى بعد العلاج والتصحيح بالمعينات البصرية.
  • قصور في مجال الرؤية، بحيث تقل زاوية الرؤية عن (20) درجة.
  • عدم القدرة على ممارسة عمل ما أو نشاط معين بسبب قصور بصري حاد.
  • عدم القدرة على كسب قوته بسبب إعاقته.
  • عدم القدرة على متابعة البرامج التعليمية العادية المقدمة لمن هم في مثل مرحلته العمرية في مدارس المبصرين، أو في مدارس ضعاف البصر ما لم تقدم له مطبوعة بطريقة برايل.